أثار خروج بيني غانتس وحزبه من حكومة الطوارئ الإسرائيلية في التاسع من حزيران الجاري حالة من التخبط السياسي في إسرائيل وأظهرت نتائج استطلاعات الرأي تراجعًا طفيفًا في قوة حزب غانتس، رغم الفرضيات التي كانت تشير إلى تعزيز مكانته، إلا أن التخبط لا يقتصر على الشارع الإسرائيلي فحسب، بل ينعكس بوضوح على غانتس نفسه، الذي لم تتضح وجهته السياسية بعد خروجه من الحكومة التي شارك فيها بإدارة الحرب على غزة.
بيني غانتس عضو مجلس الحرب سابقا في حكومة الاحتلال
كشفت تصريحات غانتس في ندوة مغلقة عن ميوله اليمينية واستعداده للاتجاه نحو التشدد
أثار خروج بيني غانتس وحزبه من حكومة الطوارئ الإسرائيلية في التاسع من حزيران الجاري حالة من التخبط السياسي في إسرائيل وأظهرت نتائج استطلاعات الرأي تراجعًا طفيفًا في قوة حزب غانتس، رغم الفرضيات التي كانت تشير إلى تعزيز مكانته، إلا أن التخبط لا يقتصر على الشارع الإسرائيلي فحسب، بل ينعكس بوضوح على غانتس نفسه، الذي لم تتضح وجهته السياسية بعد خروجه من الحكومة التي شارك فيها بإدارة الحرب على غزة.
اقرأ أيضاً : "لوبي أرض إسرائيل": تأثير وتوجهات أكبر مجموعة ضغط في الكنيست لعام 2024
كشف استطلاع للرأي تراجعًا طفيفًا في شعبية حزب غانتس، رغم التوقعات بزيادة شعبيته بعد مغادرته الحكومة.
عاد غانتس إلى المعارضة، إلا أن وجهته السياسية المستقبلية لا تزال غير واضحة.
وفي ندوة مغلقة قبل 15 شهرًا، أكد غانتس توجهاته اليمينية واستعداده للتشدد، مما يعكس تغييرًا في موقفه السياسي بهدف لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية مستقبلية.
رغم العواصف السياسية التي تواجه حكومة بنيامين نتنياهو، إلا أن الائتلاف الحكومي ما زال متماسكًا حتى الآن.
وهناك تحديات كبرى تلوح في الأفق، مثل فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم وسعي الكتل الدينية لدفع "قانون الربانيم".
يواجه غانتس تحديات كبيرة، منها الهبوط الحاد في استطلاعات الرأي، حيث انخفضت شعبيته من حوالى 40 مقعدًا في بداية الحرب إلى 24 مقعدًا حاليًا ما يعني أنه سيتعين على غانتس إعادة بناء مكانته السياسية وإثبات جدارته أمام الجمهور الإسرائيلي.
مع إعلان الحرب على قطاع غزة، انضم غانتس إلى حكومة الطوارئ، بشرط تشكيل طاقم إدارة حرب بقيادة نتنياهو، غانتس، ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وبعد فترة من الشد والجذب، ألقى غانتس خطابًا يطرح فيه إنذارًا لنتنياهو لتحقيق 6 أهداف استراتيجية، وإلا فإنه سيغادر الحكومة.
والنقاط الست، كما طرحها غانتس وبلغته، هي:
إعادة "المخطوفين" (الرهائن).
القضاء على حركة حماس وانهيارها بالكامل، ونزع السلاح كليا من قطاع غزة.
ضمان إقامة مديرية لقطاع غزة، تشمل الولايات المتحدة وجهات أوروبية، وأيضا فلسطينية (وفي الورقة التي وزعها على الصحافة، قال غانتس إنه يرفض مشاركة حركة حماس والسلطة الفلسطينية).
ضمان عودة سكان شمال البلاد (قبالة الحدود مع لبنان) حتى الأول من أيلول المقبل.
ضمان توقيع اتفاقية تطبيع مع المملكة السعودية.
ضمان سن قانون يفرض الخدمة العسكرية على كافة الإسرائيليين، بقصد ما يشمل الشبان المتدينين المتزمتين، الحريديم.
أظهرت استطلاعات الأسابيع الأخيرة الهبوط الحاد في نتائج حزب غانتس، مما دفعه لتنفيذ قراره بالخروج من الحكومة، إلا أن هناك شكًا كبيرًا في أن يكون خروجه سيعفيه من المسؤولية أمام الجمهور عن إدارة الحرب التي استمرت 8 أشهر دون أفق لوضع حد لها.
فقد أظهرت استطلاعات الأسابيع الثلاثة الأخيرة، على الأقل ولربما أكثر بقليل، الهبوط الحاد لنتائج القائمة التي يتزعمها غانتس، من حوالى 40 مقعدا في بدايات الحرب والاشهر الأولى، حتى هبط إلى محيط 24 مقعدا، في حين أن الليكود بدأ يستعيد شيئا من قوته، ففي حين كانت الاستطلاعات تتوقع له انهيارا في قوته البرلمانية من 32 مقعدا حاليا، إلى 16 و17 ومقعدا، فإنه في استطلاعات الأسبوعين الأخيرين بات الليكود يحصل على ما بين 21 إلى 23 مقعدا.
كشفت تصريحات غانتس في ندوة مغلقة عن ميوله اليمينية واستعداده للاتجاه نحو التشدد، ما يعكس تغييرًا في موقفه السياسي ويضع فرضية أن غانتس اليوم بات أكثر يمينية.
وإحدى الدلالات على أن توجهات غانتس السياسية ليست جديدة، أنه كشف عنها الصحافي بار شم أور، وهو مقدم برنامج حواري إخباري في القناة التلفزيونية 13، في منشور له على شبكة X (تويتر سابقا)، وتأكدت حيثيات ما نشره الصحافي أور لي خلال محادثة مع أحد الحاضرين في لقاء مغلق مع غانتس، كما يبدو في مطلع آذار من العام الماضي 2023.
وكتب بار شم أور عن أقوال غانتس في ذلك اللقاء: بحسب غانتس فإن السياسة في إسرائيل مقسّمة إلى ست خانات، من واحد إلى ستة، واحد هو اليسار المتطرف، و6 هو اليمين المتطرف، ويرى غانتس نفسه أنه في المركز (الوسط). وقال في ذلك اللقاء الذي حضره حوالى 20 شخصا، إنه يرى نفسه في الوسط مع ميل نحو الرقم 6، وقال: "أنا أحاول دائما أن أكون بين الرقمين 4 و5".
وسأله أحد الحاضرين: لكن ماذا سيكون إذا مال الجمهور أكثر نحو اليمين، في اتجاه آراء الكهانيين؟ بقصد الرقم 6. فكان رد غانتس عليه: "إذا تطرّف الرقم 6، فإنني سأتحرك في اتجاهه، ولن أهبط عن الرقم 4".
ويقول بار شم أور: "يجب فهم ما قيل هنا بالدقة. فغانتس ينظر إلى السياسة الإسرائيلية بشكل بارد، ومحسوب جدا. تقريبا ليست لديه قاعدة أيديولوجية صلبة، أو سلة قيم ثابتة يمكنه تسويقها للجمهور. فإن ما يدعيه من وسطية أو اعتدال، من خلال اتخاذ اسم "الرسمي"، هو عمليا خدعة حزبية"، فإذا اليمين تطرف نحو الحلبة الكهانية، فإن غانتس يوضح بأنه سيتجه نحوه أيضا.
وفي حالة كهذه، "فإن رؤية مستقبل دولة إسرائيل تتحول إلى مسألة طيّعة، وعمليا يقول غانتس إن توجهاته ليست بعيدة عن منهجية نتنياهو"، بحسب ما ذكره الكاتب.
في أعقاب نشر الصحافي أور، أكد لي أحد الحاضرين في ذلك اللقاء، وهو لم يكن سياسيا، حيثيات ما نشره بار شم أور، وزاد قائلا إن غانتس أبدى استخفافا بواقع الفلسطينيين في إسرائيل، فقد سأله محادثي عن رؤيته للجماهير العربية في الداخل، فرد غانتس قائلا: "أنا على اتصال مع رئيس بلدية (...) من أجل تطوير الشارع الرئيس في المدينة". ولا أكثر من هذا، ما يؤكد الاستخفاف بواقع مجتمع تتكاثر عليه الكوارث الاقتصادية والبنيوية والاجتماعية، بسبب سياسية التمييز الحكومية الرسمية على مدى 76 عاما.
وعودة إلى الصحافي أور، إذ واصل كاتبا: "اعترف غانتس عمليا في اللقاء المغلق بأنه ينجر نحو تقاطبات السياسة الإسرائيلية، وينجر أكثر نحو الأجواء الشعبوية. إن إسرائيل بحاجة إلى سياسيين يحاربون على مستقبل الدولة، ويعرفون كيف يعرضون رؤية واضحة لمستقبل إسرائيل في العقود القريبة، ولا يخضعون لإملاءات ديماغوغية، وكأنها قضاء وقدر. فغانتس لن يضع أبدا حدودا للا صهاينة (يقصد الحريديم) والمسيانيين، الذين كلما تقدم الزمن، يبتعدون أكثر فأكثر عن مبادئ الديمقراطية الليبرالية، بل ينجر نحوهم. إن الدولة موجودة في مرحلة اهتزازات شديدة، تقلص فيها هامش الديمقراطية، وباتت خاضعة لابتزازات وصفقات بين أطراف الائتلاف".
ويختم بار شم أور:"إذا لم يتغير شيء فإن إسرائيل ستنهار بهذا الشكل، فالدولة بحاجة إلى تغيير منهجية السياسة القائمة، ولدستور ورؤية موحدة... وهذا يحتاج إلى شجاعة، وعقلانية سياسية، وقيادة لا تساوم، وفي الأساس قيادة ذات عمود فقري... وفي هذا المفترق التاريخي، فإن إسرائيل بحاجة إلى بوصلة، وغانتس ليس الشخص المؤهل لقيادة إسرائيل نحو الاتجاه الصحيح".
وعلينا الانتباه إلى أن ما عرضه غانتس كان في شهر آذار 2023، أي قبل شن الحرب ومخلفاتها السياسية بـ 7 أشهر، وهذا يضع فرضية أن غانتس اليوم بات أكثر يمينية، استنادا لما عرضه في ذلك اللقاء.
في ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها إسرائيل، يبقى مصير غانتس وحزبه غير مؤكد في المشهد السياسي الإسرائيلي المعقد. سيحتاج غانتس لفترة لإعادة بناء مكانته ومعرفة ما إذا كان خروجه من الحكومة سيعيد له بعض ما فقده في استطلاعات الرأي.
وتبقى تساؤلات كبيرة حول مستقبل غانتس السياسي.
هل سينجح في استعادة مكانته أم ستظل توجهاته السياسية غير واضحة؟ في ظل الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها إسرائيل، يبقى مصير غانتس وحزبه غير مؤكد في المشهد السياسي الإسرائيلي المعقد.